صباح السبت.. تقاطع طريقين رئيسيين بمدينتي الصغيرة… ورأيتهم.. رجلان مسنان وإمرأتان يقفان على جانب الطريق ويتدفئون بقرب بعضهم البعض.. لم يلفتوا في البداية نظري.. فقد تعودت عيناي على مشاهدة مجموعات تتراواح ما بين الشخص الواحد والعشرات.. ولكل مجموعة رسالة معينة تبغي توصيلها للعلن.. .. ومضت عربتي قليلا لتقف بعد أن أعاق نورالمرور الأحمر عجلاتها ومنعها من الدوران.. وحانت مني نظرة ثانية لمجموعة الأربعة لأجدها تقف قرب لافتات على الأرض صغيرة مكتوب على أحدها.. “العراق، هي مجرد فيتنام أخرى”… فقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أوجه الشبه ما بين حرب العراق وحرب فيتنام.. فكلاهما منبوذ من المجتمع الأمريكي وغير مرغوب فيه… وبينما نبذ المجتمع الجنود الذين شاركوا في حرب فيتنام آنذاك… يحاول المجتمع في خلال حرب العراق عدم الربط ما بين الجندي الذي أضطر إلى أداء واجبه وما بين الحرب التي لا يزال يرفضها القطاع الأكبر جملة وتفصيلا.
بجانب لوحة العراق التي تشابه فيتنام تلك… كانت توجد على الأرض ثلاث لوحات أخر… الأولى لصليب ممثل الديانة المسيحية… الثانية لنجمة داود ممثلا الديانة اليهودية… والثالثة لهلال ممثلا الديانة الإسلامية.. وهذا مشهد أتجرأ لأن أقول أنني أول مرة أشهده بالرغم من السنوات العشر التي قضيتها بين ولايات أمريكا ومدنها المختلفة… لفت نظري أيضا صوت السيارات وهي تمضي… شمالا ويمينا… وصوت (بوري) العربة المميز ينطلق كثيرا… وأنا لا أعرف ما الذي يحدث… وبينما لا زلت في نظرتي المتأملة تلك للعلامات المغروسة في الأرض… تحولت ألوان علامة المرور من الأحمر إلى الأخضر معلنة الإذن بالانطلاق نحو وجهتي.. وقد فعلت… ودارت العربة نحو الشمال وصوت البوري لا يزال ينطلق في أحيانا كثيرة من حولي.. وحانت مني التفاتة نحو اليمين لأجد إحدى النساء تحمل لافتة كبيرة مكتوب عليها:
– أطلق صوت (البوري) تضامنا… حتى يعم السلام في العالم ويسود
ولحظتها فقط، علمت بسر ذلك البوري الذي يطلقه أصحاب السيارات بقوة.. وكثرة… وإصرار
إن التعبير عن الرأي لا يحتاج لقوة عظمي… لا يحتاج لذكاء كبير أو حتى وسائل اعلام… لا يحتاج أكثر من شخص واحد أو شخصين… ولربما ثلاثة أو أربعة كما في حال أصدقائنا… التعبير عن الرأي لا يحتاج حتى أن تغير مسار حياتك وتعدل خارطته.. والمشاركة في حملة تؤمن بها وقضية قد لا يتطلب حتى النزول من سيارتك.. وقد لا يتعدى ضربة صغيرة تنطلق من يديك تضغط بها على (دريكسون) العربة وتسمع العالم صوت عربتك الذي يعلن تضامنك مع قضيتك… وفي حالة أصدقاءنا هذه هي التعبير عن الرغبة في السلام وعن تعايش العالم في محبة ووئام… وأعجبتني الفكرة على بساطتها… ووجدتني… بحماس… أرفع قبضة يدي وأضغط،بقوة، على منتصف (الدريكسون)… لأضم صوتي لصوت كل من مر قبلي وكل من سيأتي بعدي… وأعزف بـ(بوري) عربتي لحن السلام!