“1”

أدلف الليل وهو يجري مسرعاً مطارداً فلول أشعة الشمس التي كانت لا تزال تلوح بشفقها المائل على الإحمرار ، رافضة الخنوع لأجنحة الظلام الداكنة ، نظرت صوب الشفق وهو ينحسر عن ذلك الجانب الذي أعيش فيه من الكرة الأرضية وأرقبه وهو ينحدر خلف التلال متحسرة عليه وكأنني لآخر مرة أراه . من يدري لعلها فعلا تكون ، تنهدت تنهيدة حارة .. أتممت صلواتي ودسست جسدي تحت الغطاء الأزرق .. أغمضت عيني ولم أستطع النوم .. تقلبت ذات اليمين وذات اليسار .. رفست الغطاء برجلي يا إلهي ، أهكذا الدنيا حر ؟ لم أدر ما أفعل ، نهضت بجسمي شاقة طريقي الى أعلى الفراش ، أمسح حبات عرق تنزل من الجبين وكأنني كنت ماشة حافية على قدمي لأشهر وسنين ، قررت أن أنهض ، فهكذا لن يراودني النوم عن نفسي وبالي لن يرتاح .. سرت صوب ثلاجة الماء ، كوب زجاجي شفاف ملئ بالماء تسبح على سطحه حبتا ثلج تتلامسان حتى تخالهما متعاركتان لولا ذلك الصوت الناعم الذي ينبع عن تلاحمهما معا .. أشغلتكم معي ؟ معذرة ..

فإنها مجرد هطرقات آخر الليل وأشياء أخر .

“2 “

في جلستي تلك والليل بخطى ثابتة ينتصف .. لا أجد بدا من أن أخلو بنفسي .. تداعبني وأداعبها .. تلومني وألقي عليها بالملامة ، تقول لي ” مالك انشغلت عني حتى بت لا تعرفينني ” همست لها معذرة ، فاليوم يمر بي سريعاً قبل أن أخلو بك ويأتي اليوم الآخر وهكذا دواليك .. لا أدري إن كانت تعذرني ، لا أدري إن كانت تشعر بي أو تفهمني ولكن ما يهمني …

إنها مجرد هطرقات آخر الليل وأشياء أخر ,

” 3 “

بالرغم من ذلك الحر الذي كنت منه على الفراش أعاني .. النسيم خارج المنزل رقيق والهواء عليل ، حفيف الشجر أشعر به كما السيمفونية الناعمة ، السحاب الأبيض يمر ويلقم خد السماء سريعا ويمضي ، قررت أن أمشي .. هل جننت ، أسير في طرقات ذلك الليل الهادئ والجميع نيام .. لا حس ولا خبر .. قررت أن أمضي في خطتي مدفوعة برغبة جنونية في الهروب .. ولكن من ماذا لست أدري .. هل لابد لي أن أدري ؟ وخرجت في ذلك الليل .. ولكن الأدهى أنني وجدت نفسي أسير ورجلي من الأحذية حافية .. ضحكت بيني وبين نفسي ولكن لا يهمك .. إنها مجرد هطرقات آخر الليل وأشياء أخر .

” 4 “

ثم كانت ليلة أخرى ، استيقظت من نومي فزعة .. صوت العاصفة بالخارج يخيفني ويفزعني .. أسمع الرياح وهي تموج وتصرخ غاضبة ..” تخبط ” الشباك تداعب الستائر وتحاول أن تلج من الباب وأستعيذ بربي وأتقوقع على نفسي أكثر ، صوت قطرات تهبط من السماء أسمعها تزداد وتزداد ثم تنهمر قوية .. نور برق قوي وصلني مجتازا كل العقبات التي أمامه ودوي الرعد يزأر .. يا لهذه الليلة .. ! وأفكر في حالي ومحتالي ما دمت لا أستطيع النوم فسأتناولها ذكريات أيام وأتركها لتداعب خيالي .. تساؤلات تملؤني .. هل بداخل كل منا أديب يعمل على رسم صورة يانعة أو قاتمة لحياته ، أم بداخل كل منا فيلسوف يعمل على ” طلسمة ” الظواهر اليومية التي تمر بنا .. هل الإنسان مخير أم مسير .. أف .. يا لهذه الأفكار التي لا تريد حلقتها أن تنفرط ويا لهذا الليل الذي أبى أن يأتي صباحه .. المعذرة على هذه الأفكار والأحرف المتناثرة .

فإنها مجرد هطرقات آخر الليل وأشياء أخر …