(جينا)، مدينة صغيرة بولاية لويزيانا الأمريكية… في أحد أركانها تقبع مدرسة جينا للتعليم العالي التي أنشئت في عام 1920 ويبلغ عدد طلابها الـ 538 طالبا… 85% من مجموع الطلبة ذوي بشرة بيضاء… بينما لا تزيد نسبة الطلبة السود بالمدرسة عن الـ 10%. غرست أدارة المدرسة، منذ عشرون عاما، في (حوشها) شجرة أسمتها شجرة المعرفة… فنمت وترعرعت في خلال العقدين الماضيين وصارت تحتضن تحت ظلها الطلبة البيض الذين يلجأون إليها في عز الهجير وتشهد أغصانها وأوراقها الخضر مداعباتهم وقفشاتهم وتحفظ أسرارهم.وفي ذات الأوقات يجتمع الطلبة السود في ركن آخر من المدرسة…بدون تداخل يذكر ما بين الطلبة السود والبيض. ومرت سنوات على هذا الحال ولا يسأل أحد عن الأسباب التي خولت للطلبة البيض الأستمتاع بظل شجرة المعرفة دون السود… حتى أنضم الى المدرسة طالب جديد أسود وجلس، بكل براءة، تحت شجرة المعرفة… الموقع المخصص للطلبة البيض… وكانت بداية العاصفة.في اليوم التالي دخل الطلبة إلى المدرسة ليصدموا بتدلي مناظر تشبة الأنف من الشجرة كناية عن أيام التفرقة العنصرية والمعاملة السيئة التي كان يتلقاها الأمريكيون السود من نظرائهم البيض… وفي لحظة تغيرت المدينة الهادئة. وتوصلت الإدارة إلى الطلبة البيض الذين قاموا بالفعل الشنيع وعاقبتهم بالتغيب من المدرسة لمدة ثلاثة أيام … ولكن الأمر لم ينتهِ هنا. فقد توالت المصادمات العنيفة بين طلبة المدرسة وصار هنالك فريق البيض والفريق الأسود وكل منهما يكيل الأتهامات ويسئ الظن بالآخر. ونظم الفريق الأسود مظاهرة سلمية تحت الشجرة احتجاجا على استيلاء الطلبة البيض على ظلها.. وتناول الإعلام القضية.. فقد كانت مؤلمة ولا يزال البعض يذكر أيام كان السود مخصصة لهم مقاعد معينة في (المواصلات) ويتعين عليهم أن يتركوها متى ما تعذر مقعد لشخص أبيض.وتعقدت القضية وتشابكت أفرعها خصوصا بعد أن ركزت عليها وسائل الإعلام. وصار متحدثو المنظمات المدنية ونشطاؤها يدينون العنصرية التي لا تزال ذراتها عالقة بسماء (جينا). وفي يوم قام ستة من الطلبة السود بالأعتداء على (جستين باكر) الطالب الأبيض، بالضرب المبرح. ونقل جستن إلى المستشفى وتم علاجه الذي كان بداية قضية أكثر تعقيدا. فقد ألقي القبض على الطلبة السود الستة ووجهت لهم الشرطة تهمة القتل العمد… ثم أضطر المدعي العام إلى تقليل التهم من القتل إلى الأهانة… ويواجه الطلبة السود السجن بمدة تقارب المائة عام مجتمعة. وأثارت المعاملة الظالمة حفيظة المجتمع… فحينما أخطأ الطلبة البيض قامت أدراة المدرسة بتنبيههم إلى خطئهم برفق وخفة وإيقافهم عن الدراسة ثلاثة أيام… وحينما أخطأ الطلبة السود ثم طردهم من المدرسة بل ويواجهون السجن الذي قد يلتهم أزهى أيام حياتهم… وتوافق قضية مدرسة جينا إحتفال الأمريكيون بذكرى ميلاد مارتن لوثر كينج، رائد حركة الحقوق المدنية، في الخامس عشر من يناير الماضي… أي أن النضال من أجل الحقوق وتجانس المجتمع لا يزال جاريا في الولايات المتحدة الأمريكية برغم تعاقب السنون وبالرغم من النهضة والتغير الذي جرى في خلال العقود التي مضت…
فما بالنا نحن وقد تم توقيع إتفاقية سلام وليدة لا يزيد عمرها عن الثلاثة سنوات…
يا جماعة … النشيل الصبر.